سورة الحجر - تفسير تفسير ابن القيم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)}
متضمن لكنز من الكنوز، وهو أن كل شيء لا يطلب إلا ممن عنده خزائنه، ومن مفاتيح تلك الخزائن بيديه، وإن طلبه من غيره طلب ممن ليس عنده، ولا يقدر عليه.
وقوله: {وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى} [53: 42] متضمن لكنز عظيم.
وهو أن كل مراد إن لم يرد لأجله ويتصل به، وإلا فهو مضمحل منقطع. فإنه ليس المنتهى. وليس المنتهى إلا إلى الذي انتهت إليه الأمور كلها. فانتهت إلى خلقه ومشيئته. وحكمته وعلمه، فهو غاية كل مطلوب، وكل محبوب لا يحب لأجله فمحبته عناء وعذاب. وكل عمل لا يراد لأجله فهو ضائع وباطل.
وكل قلب لا يصل إليه فهو شقي محجوب عن سعادته وفلاحه.
فاجتمع ما يراد منه كله في قوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ} واجتمع ما يراد له كله في قوله: {وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى} فليس وراءه سبحانه غاية تطلب، وليس دونه غاية إليها المنتهى.


{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} قد مدح اللّه سبحانه وتعالى الفراسة وأهلها في مواضع من كتابه. هذا منها.
والمتوسمون: هم المتفرسون الذين يأخذون بالسيماء، وهي العلامة.
يقال: توسمت فيك كذا، أي تفرسته، كأنها أخذت من السيماء، وهي فعلاء من السمة، وهي العلامة.
وقال تعالى: {وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ} [47: 30] وقال تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ} [2: 273] وفي الترمذي مرفوعا: «اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور اللّه» ثم قرأ: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}.
وقال في مدارج السالكين: قال مجاهد رحمه اللّه: المتوسمين المتفرسين.
وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما: للناظرين.
وقال قتادة: للمقرين، وقال مقاتل: للمتفكرين.
ولا تنافي بين هذه الأقوال. فإن الناظر متى نظر في آثار ديار المكذبين ومنازلهم، وما آل إليه أمرهم، أورثه فراسة وعبرة وفكرة.
وقال تعالى في حق المنافقين: {وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} فالأول فراسة النظر والعين. والثاني فراسة الأذن والسمع.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه يقول: علق معرفته إياهم بالنظر على المشيئة ولم يعلق تعريفهم بلحن خطابهم على شرط، بل أخبر به خبرا مؤكدا بالقسم فقال: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} وهو تعريض الخطاب، وفحوى الكلام ومغزاه.
واللحن ضربان. صواب وخطأ.
فلحن الصواب نوعان. أحدهما: الفطنة. ومنه قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم للمتخاصمين: «ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض».
والثاني: التعريض والإشارة. وهو قريب من الكتابة. ومنه قول الشاعر:
وحديث ألذه، وهو مما *** يشتهي السامعون يوزن وزنا
منطق صائب، وتلحن أحيا *** نا، وخير الحديث ما كان لحنا
والثالث: فساد المنطق في الاعراب، وحقيقته: تغيير الكلام عن وجهه، إما إلى خطأ، وإما إلى معنى خفي، لم يوضع له اللفظ.
والمقصود: أنه سبحانه أقسم على معرفته المنافقين من لحن خطابهم.
فإن معرفة المتكلم وما في ضميره من كلامه أقرب من معرفته بسيماه وما في وجهه. فإن دلالة الكلام على قصد قائله وضميره أظهر من دلالة السيماء المرئية. والفراسة تتعلق بالنوعين: بالنظر، والسماع.
وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور اللّه» ثم قرأ قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}.